في بلادٍ نسجت خيوطها بين وادي تبن وضفاف الحوطة، بزغ نجمٌ لم يكن كغيره من النجوم. وُلد في صباحٍ مشرقٍ من شعبان، ليكون شعاعًا يُضيء سماء الفن والأدب والزراعة والعسكرية. رجلٌ جمع بين السيف والقلم، وبين النغم والحكمة، فكان قلبًا نابضًا في سلطنة لحج، وروحًا متجددة في أرجاء اليمن.
نشأ الأمير في كنف عائلةٍ حكمت لحج بيدٍ من حديد، لكنها حملت في طياتها بذور العلم والحكمة. كان والده سلطانًا عادلًا، يحب العلم ويجالس العلماء، فزرع في قلبه بذرة المعرفة والشغف. وما إن شبّ الفتى حتى أضحى قائدًا للجيش، يحمل السيف بيدٍ، ويُمسك بالقلم باليد الأخرى، ليكتب تاريخًا جديدًا لبلاده.
لكن هذا الأمير لم يكن مجرد قائدٍ عسكري. كان شاعرًا ينسج الكلمات كما ينسج النسّاج خيوط الحرير. كانت الحوطة ملهمته، وبستان الحسيني معبده الشعري، حيث كان يستلهم من زهورها وأشجارها صورًا شعرية تفيض عذوبةً وجمالًا. هناك، بين عطر الفل والياسمين، وبين هدير مياه الري، كان يُبدع قصائد تُلامس القلوب وتُحيي الأرواح.
لم تكن قصائده مجرد كلمات تُلقى على المسامع، بل كانت ألحانًا تُطرب القلوب. فهو مؤسس الغناء اللحجي الحديث، الذي جمع بين أصالة التراث وروح التجديد. ألحانه كانت كالنهر الجاري، تنساب برقةٍ وسلاسةٍ لتروي ظمأ العاشقين للفن. ومن خلال فرقة موسيقية أسسها بنفسه، حملت ألحانه إلى كل زاويةٍ في اليمن، بل تجاوزت الحدود لتُطرب السامعين في أرجاء الجزيرة العربية.
ولم يكن الغناء وحده مجال إبداعه. فقد كان زارعًا عاشقًا للأرض، يرى فيها حياةً وخلودًا. أدخل إلى لحج أنواعًا جديدة من المحاصيل والأزهار، وجعل بستان الحسيني رمزًا للنهضة الزراعية في منطقته. كان يُجرب ويختبر، يُدوّن النتائج ويُعلّم المزارعين، فكان كما النهر الذي يُحيي الأرض العطشى.
لكن حياته لم تكن خالية من التحديات. واجه رفضًا من بعض الفقهاء الذين حرّموا الغناء والموسيقى، لكنه لم يستسلم. دافع عن فنه بحججٍ عقليةٍ وفقهيةٍ في كتابه "فصل الخطاب"، ليُثبت أن الفن ليس فقط مباحًا، بل هو وسيلةٌ لتطوير الروح وتهذيب النفس.
وفي ختام حياته، بعد أن أضاء دروب الفن والزراعة والعلم، رحل عن الدنيا تاركًا إرثًا خالدًا. دفن في الحوطة التي أحبها وأحبته، لكن صوته وألحانه ما زالت تُسمع في كل مكان. إنه رمزٌ للنهضة والتجديد، واسمٌ سيظل محفورًا في ذاكرة اليمن وأهلها.