أحدث الأسئلة: الديمقراطية كلمة مرة
صورة السؤال

بطلة الثورتين: المرأة التي أرهبت الاستعمار

في قلب جبال ردفان، حيث تصدح الرياح بأغنيات النضال وتعانق القمم أحلام الحرية، وُلدت امرأة لم تكن كغيرها من النساء. امرأة مزجت بين صلابة الجبال ورقة النسيم، بين عنفوان الثائرين وحنان الأمهات. في عام 1928، في وادي شعب الديوان، أشرقت شمسها الأولى، لتكون بداية حكاية لا تعرف الانطفاء.

كبرت في ظل الاحتلال، حيث كانت الأرض تنزف والقلب يئن. طفولة قاسية كالصخر، لكنها صنعت من روحها فولاذًا لا ينكسر. كانت ترى قريتها تُدمر، ورجالها يُقتلون، فاشتعل في صدرها لهيب الثورة قبل أن تعرف معنى الطفولة.

حينما وقفت أمام مرآة الحياة، أدركت أن الأنوثة ليست عائقًا أمام الحرية. خلعت ثوبها النسائي، وارتدت ملابس الرجال. حلقت شعرها، وعلقت البندقية على كتفها، وتزينت بالخنجر الذي كان شاهدًا على كل معركة خاضتها. عندما سألتها أمها إلى أين؟ أجابت بثبات: "سأنضم إلى الثوار... سأحارب الإنجليز".

الطريق إلى السلاح

في عام 1940، حينما كانت فتاة يافعة، بدأت علاقتها الأولى مع السلاح. شاركت خفية في انتفاضة الحمراء، متحدية قوانين القبيلة وتقاليد المجتمع. وعندما اكتشف والدها شجاعتها، لم يقف عائقًا أمامها، بل اشترى لها بندقية من نوع "فرنساوي"، وكأنما كان يُبارك مسيرتها النضالية.

وفي انتفاضة عام 1956، كانت على موعد مع التاريخ. أسقطت طائرة هليكوبتر بريطانية في الحبيلين، لتُصبح اسمًا تتناقله الألسن. اعتُقلت إثر تلك الانتفاضة، لكن روحها الحرة لم تعرف القيود. تمكنت من الهروب من المعتقل لتعود إلى ساحات القتال أكثر قوة وصلابة.

بطلة الثورتين

لم تكن معاركها مقتصرة على الجنوب وحده. عندما اندلعت ثورة 26 سبتمبر 1962 في شمال اليمن، قطعت المسافات سيرًا على الأقدام للوصول إلى جبال المحابشة وحجة وصنعاء. قاتلت بشجاعة ضد الملكيين في معارك صرواح وبني حشيش وبلاد خولان. كانت بندقيتها تُردد أناشيد الحرية، وكانت خطواتها تُرسم خريطة النصر.

وعندما اشتعلت شرارة ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب، كانت في الصفوف الأولى. قاتلت جنبًا إلى جنب مع الشيخ راجح بن غالب لبوزة، واستمرت في النضال لأربع سنوات حتى إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967.

المرأة التي أرعبت الاستعمار

كانت تُتقن نصب الكمائن. أرعبت القوات البريطانية حتى رصدوا مكافأة قدرها مائة ألف شلن لمن يدلي بمعلومات عنها. لكنها كانت كالشبح الذي لا يُمسك به أحد. أصيبت في إحدى المعارك وأُسرت، لكن حتى الأسر لم يُطفئ جذوة نضالها. هربت من المعتقل لتعود إلى الجبال، حيث كانت ترعب أعدائها كأنها قدر لا مفر منه.

تكريم الأبطال

اسمها سبقها إلى القاهرة، حيث كرّمها الزعيم جمال عبد الناصر ومنحها رتبة ملازم أول وأهداها بندقية تقديرًا لشجاعتها ودورها البطولي. كما كرّمها الرئيس سالمين والرئيس علي ناصر محمد بمنحها وسام الاستقلال وميدالية حرب التحرير ووسام ثورة 14 أكتوبر.

لم تكن حياتها مجرد معارك وساحات قتال؛ بل كانت قصة إنسانية نادرة. بعد وفاة والديها، كرّست حياتها لرعاية عائلتها، ورفضت الزواج قائلة: "لا أعراس ولا أفراح إلا بعد الاستقلال". كانت أمًا لشقيقاتها وإخوتها، وأمًا لوطن بأسره.

النهاية التي لا تنتهي

في 25 أغسطس 2002، أغمضت عينيها للمرة الأخيرة في منزلها بمدينة الشعب بعدن. رحلت عن الدنيا بجسدها، لكنها بقيت خالدة في ذاكرة الوطن. دفنت في ردفان، لكن روحها بقيت تحلق فوق جبال اليمن كطائر لا يعرف الأسر.

لم تكن مجرد امرأة؛ بل رمزًأ للحرية والنضال، هي قصيدة كتبت بدماء الثوار وأحلام الأجيال القادمة. إنها المرأة التي علّمتنا أن الوطن يستحق كل تضحية، وأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع انتزاعًا.

من هي المناضلة التي أُطلق عليها لقب "بطلة الثورتين" وأسقطت طائرة بريطانية خلال نضالها؟