أحدث الأسئلة: الديمقراطية كلمة مرة
صورة السؤال

شعلة الحرية ومهندس الثورة

في ظلال التاريخ، حيث تنبض القلوب بحكايات البطولة، وتُروى القصص عن أولئك الذين حملوا أرواحهم على أكفهم ليضيئوا دروب الحرية للأجيال القادمة، يبرز اسمٌ كالشمس التي لا تغيب، كالنجم الذي يهدي السائرين في الليالي الحالكة. هو فارسٌ من فرسان النور، وشعلةٌ من شعل الثورة، نبتت جذوره في أرضٍ عرفت الظلم والقهر، لكنه أبى إلا أن يكون حراً كنسائم الصباح الأولى.

في قريةٍ هادئةٍ تحتضنها جبال اليمن الشامخة، وُلد هذا البطل عام 1937. كان ميلاده رمزاً لبداية عهدٍ جديد، وكأن الأرض كانت تستعد لاستقبال من سيعيد إليها كرامتها المسلوبة. في طفولته، كان اليتم رفيقه، لكنه لم يكن عائقاً أمام طموحه. كان ذكاؤه المبكر يلمع كالسيف في الظلام، فختم القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، ليكون ذلك أول انتصارٍ له على قيود الجهل.

حينما وطأت قدماه صنعاء لأول مرة، كان يحمل في قلبه أحلاماً تتجاوز حدود الأفق. التحق بمدرسة الأيتام، وهناك أظهر تفوقاً لافتاً جعله يقفز ثلاث سنوات دراسية دفعة واحدة. في تلك المدرسة، بدأ يتشكل وعيه الوطني والسياسي، وبدأت بذور الثورة تنمو في أعماقه. وعندما سُئل ذات يوم عن معنى السعادة، أجاب بكلماتٍ خالدة: "السعادة تكون في الحرية". كانت تلك الكلمات بمثابة وعدٍ قطعه على نفسه ليكمل المسيرة نحو تحرير وطنه.

في شبابه، كان شعلةً لا تنطفئ. قاد المظاهرات الطلابية ضد الظلم والاستبداد، وكان صوته يصدح بالحرية في شوارع صنعاء. ولم تكن تلك المظاهرات مجرد صرخاتٍ عابرة، بل كانت شراراتٍ أشعلت نار الثورة في قلوب اليمنيين. ورغم السجون والقيود التي حاولت الإمامة أن تضعها حوله، بقيت روحه عصيةً على الانكسار.

حين التحق بالكلية الحربية، لم يكن هدفه مجرد الحصول على رتبةٍ عسكرية، بل كان يسعى لتسخير العلم والقوة لخدمة قضيةٍ أكبر. هناك، التقى بزملائه الذين شاركوه الحلم ذاته. أسسوا تنظيم الضباط الأحرار، وكان هو العقل المدبر لهذا التنظيم السري. اجتمعوا على هدفٍ واحد: إسقاط نظام الإمامة وبناء وطنٍ يتساوى فيه الجميع تحت راية الحرية والكرامة.

وفي ليلة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، كان الموعد مع التاريخ. بقيادةٍ حكيمةٍ وخطةٍ محكمةٍ وضعها هذا البطل الشاب، انطلقت الثورة كبركانٍ هادر.

كانت داره الصغيرة مركز القيادة، وكانت كلماته الحماسية وقوداً أشعل حماس الثوار. وفي صباح اليوم التالي، أعلن الشعب اليمني قيام الجمهورية وسقوط عرش الإمامة إلى الأبد.

لكن الأبطال الحقيقيين لا يكتفون بالنصر الأول. بعد أيامٍ قليلة من قيام الثورة، قاد حملةً عسكريةً إلى منطقة "حريب" في مأرب لمواجهة الحشود الملكية التي كانت تسعى لإعادة عجلة الزمن إلى الوراء. هناك، وقف هذا البطل كجبلٍ شامخٍ في وجه الطغاة. وفي معركةٍ غير متكافئة، ارتقت روحه الطاهرة إلى السماء في أكتوبر 1962، ليكون شهيدًا للثورة التي وهب لها حياته.

برحيله، فقد اليمن قائداً استثنائياً وشاباً اختصر الزمن بحكمته وشجاعته. كان شعلةً أضاءت درب الحرية لشعبه، وكان اسمه نبراساً لكل مناضلٍ يؤمن بأن الكرامة لا تُوهب بل تُنتزع.

واليوم، ونحن نقف على أطلال الماضي لنسترجع ذكريات الأبطال العظام، يبقى هذا الاسم محفوراً في ذاكرة الوطن. إنه رمزٌ للحرية والتضحية، وأيقونةٌ للثورة التي غيرت مجرى التاريخ اليمني.